إنّ ابوریحان البیرونی (362- 442 هـ)، الذی رافق السلطان محمود الغزنوی فی رحلاته إلى الهند وقضى سنوات فیها خلال مهمات متعددة، قد أجرى دراسات معمقة حول الأدیان الهندیة، مستعینًا بالمصادر الأدبیة والمحادثات مع الناس والعلماء، وقد سجل نتائج بحوثه فی کتابه تحقیق ما للهند. تشمل دراسات البیرونی مجالات واسعة کالعلوم المختلفة، الأدب، الاعتقادات، السنن والمناسک، أنماط الحیاة، الشرائح الاجتماعیة وغیرها من الموضوعات المتنوعة. تمیّز البیرونی بمنهجیة بحثیة فریدة، حیث اعتمد على البحث المکتبی والمیدانی على حد سواء، فقد درس الکتب الهندیة وشارک فی مجالسهم الخاصة، وتعامل وتحاور مع السکان بثقة، مکتسبًا إطلاعًا عمیقًا على أسرارهم ومعتقداتهم. وصف البیرونی الهنود محایدا ومتجنبًا الانتقادات المسبقة. منهجه فی الکتابة یتضمن تقسیم الکتاب إلى فصول، مقدمًا فی مطلع کل فصل نظرة عامة وموجزة عن محتواه، ثم یتناول التفاصیل والذکریات المرتبطة به، سعیًا لتقدیم توضیح شامل ووصف حی للأحداث، مشجعًا القارئ على النظرة الحیادیة للموضوعات، دون تقلیل من قیمة أعمالهم أو اعتقاداتهم. أسئلة البیرونی و النقاط التی ینتبه بها ممتازه فی هذا المجال. یعتبر منهجه فی دراسة الأدیان نموذجًا متطورًا وراقیًا، ویقدم نقاطًا مفیدة حتى یومنا هذا. على الرغم من القیمة الکبیرة لعمل البیرونی، فقد واجه تحدیات فی التفریق بین المذاهب الهندیة المختلفة، إذ لم یشر إلى بعضها فی بحوثه، ولم یمیز بوضوح بین بعض المذاهب، معتبرًا بعضها متطابقًا. تتمیز أبحاث البیرونی بتناولها لموضوعات متنوعة لا تقتصر على الاعتقادات فحسب، بل تتجاوزها لتشمل مجالات البحث الدینی، الاجتماعی والأنثروبولوجی. هذا الأسلوب قدم لنا رؤیة شاملة للدین، بعیدًا عن تحدیده بمسائل خاصة.